تحرّكات عمّالية لزيادة مستوى الضغط
إضراب النقل الخميس ضدّ سياسات الإفقار ولتسريع تأليف الحكومة
تطوّر الوضع في لبنان إلى مستويات مقلقة. ففي ظل أزمة تأليف الحكومة ولا مبالاة الحكومة المستقيلة، بدأت الضغوط تتجه نحو الشارع أكثر فأكثر. ما يقلق في هذا الحراك هو أنه بلا أيّ أفق، بحسب رأي كثيرين، لأنه مجرّد تعبير عن الأزمة أكثر منه سعياً الى معالجتها، ولا سيما أنه يأتي في غياب حكومة قادرة على اتخاذ قرارات واجتراح الحلول وتنفيذها! هكذا، يشهد لبنان خلال الأسبوع الجاري، تحرّكين احتجاجيّين؛ الأول تنفّذه هيئة التنسيق النقابية في القطاع التعليمي غداً الأربعاء، والثاني تنفّذه اتحادات ونقابات النقل البرّي في لبنان يوم الخميس المقبل. لكلتيهما مطالب معروفة، بعضها مزمن، لكنّ إضراب النقل يختلف لكونه يرتكز على مطلب أشمل، وله تأثير واسع في مختلف الشرائح اللبنانية، أي خفض سعر صفيحة البنزين بعدما بات ارتفاع سعرها ينعكس سلباً على القطاعات وعلى الأسعار.
لإضراب النقل، شعارات وعناوين متفاعلة مع المشهد في لبنان؛ وهو يحظى بدعم المكاتب العمالية للأحزاب التي أعلنت الخميس الماضي مساندتها له، وهو يستند إلى تاريخ طويل من التأفف من ارتفاع أسعار البنزين. فمنذ نحو سنتين وضع رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة رسماً ثابتاً على صفيحة البنزين بقيمة 9500 ليرة. تزاد على هذا الرسم ضريبة القيمة المضافة بنسبة 10%! ثم جاء ارتفاع أسعار النفط العالمية في ظل حكومة مستقيلة في لبنان ليطلق السجال بين وزير الطاقة جبران باسيل ووزيرة المال ريّا الحسن. الأول يريد خفض الرسم للتخفيف من حدّة ارتفاع الأسعار على المستهلك المحلي، فيما الوزيرة رفضت متذرّعة بأثر الخفض على المالية العامة (الرسم على البنزين حقق إيرادات للخزينة بلغت ألف مليار ليرة عام 2010). ربح باسيل الجولة الأولى عبر فرض خفض الرسم، إلا أن الحسن أسهمت عبر المزايدة في رفع قيمة خفض الرسم الى 5000 ليرة، لكنها امتنعت في الجولة الثانية عن إلغاء الرسم نهائياً.
على أي حال، فإن ما أعطى إضراب النقل بُعداً سياسياً، هو أنه يأتي في ظل استمرار الفشل في تأليف الحكومة، ورغبة قوى عدّة في الضغط في اتجاهات محددة، لذلك جاء اجتماع اتحادات ونقابات النقل البري، بصورة طارئة أمس، ليضع لمسات تنظيمية شبه نهائية ويعلنها، فيما المكاتب العمالية الحزبية كانت قد أنجزت، كل التخطيطات اللازمة لحشد السائقين. ثم أصدرت بياناً يؤكد أن «الأزمة الاقتصادية ونتائجها الاجتماعية لم تكن يوماً مجهولة الفاعل، بل هي أزمة بنيوية في نظام يتيح الاحتكار ويبيح الفساد»، وأوضحت أن لبنان يعيش أزمات مزمنة في مرافق كالكهرباء والنقل والسكن والتعليم والصحة «سببها الإهمال والفساد»، لذلك، «يجب إعادة النظر في مجمل السياسات الاجتماعية والاقتصادية...»، مطالبةً «القوى النقابية بالضغط على القوى السياسية للإسراع في تأليف الحكومة».
إذاً، هو الضوء الأخضر. غير أن الأجواء السياسية السلبية في شأن تأليف الحكومة، زادته زخماً قد يحوّله إلى إضراب قاسٍ، على حد قول بعض أعضاء مجلس قيادة الاتحاد العمالي. وبحسب بعض المتابعين، هناك 3 جهات أساسية تشارك في هذا الإضراب؛ اتحاد الولاء لنقابات النقل والمواصلات (حزب الله)، اتحاد نقابات السائقين ومصالح النقل (حركة أمل) واتحاد سائقي ومالكي السيارات العمومية (مستقلّ). وتضاف إليها نقابات نقل غير منضوية في أيّ اتحاد نقل، لكنها تدور في فلك سياسي واحد (كل اتحاد يضم عدداً من النقابات) مثل نقابة الباصات في جبل لبنان، ونقابة الصهاريج...
أما في الاجتماع الطارئ، فقد حُدّدت خطوط المسيرات السيارة وتوقيت الإضراب؛ يبدأ التنفيذ عند السادسة صباحاً وينتهي عند الثانية عشرة ظهراً على كل الأراضي اللبنانية. المشاركة تشمل كل السائقين العموميّين: سيارات سياحية، فانات، أوتوبيسات، شاحنات وصهاريج، سيارات نقل طلاب المدارس والجامعات، العاملين لدى الشركات والآليات الزراعية.
في بيروت حُدّد جدول الإضراب كالآتي: التجمّع في ساحة الكولا، شارع الحمرا، ساحة الدورة، شارع فينيسيا. ثم تنطلق مسيرات سيّارة عند العاشرة صباحاً من ساحة الكولا باتجاه المزرعة، البربير، النويري، البسطة، ساحة رياض الصلح. ومن ساحة الدورة باتجاه الكرنتينا، الصيفي، ساحة رياض الصلح.
وفي جبل لبنان هناك تجمّعات على طريق المطار، مثلث خلدة، مثلث بشامون ـــــ عرمون، المشرفية، مثلث السفارة الكويتية، جسر السلطان إبراهيم ـــــ الجناح، مستديرة عاليه، ساحة بحمدون، مثلث الصياد ـــــ الحازمية. على أن تنطلق مسيرة سيارة من المشرفية باتجاه البربير عند العاشرة صباحاً.
في البقاع يتجمّع السائقون في ساحة شتورا، وفي مدخل بعلبك الجنوبي (الكرك ــــ الحمرا بلازا، دورس)، وفي ساحة الهرمل، ومثلث رياق ـــــ تلّ عمارة، وساحة اللبوة. أما في الشمال، فهناك تجمّع في ساحة التلّ ـــــ طرابلس.
جنوباً، هناك تجمّعات في صيدا ـــــ ساحة النجمة، صور ـــــ البص، النبطية ـــــ مثلث كفررمان، النبطية ـــــ ساحة الشهداء ـــــ المهنية.
ثمة في الاتحاد العمالي العام من يرى في توقيت الإضراب «مأزقاً»، فالحكومة لم تتألف بعد، فيما الحكومة المستقيلة ليست قادرة على المعالجة، وبالتالي من يستمع إلى المُضربين؟ إلا أن رئيس اتحاد الولاء لنقابات النقل والمواصلات، أحمد الموسوي، يقول إن التحرّك «ضدّ سياسات الإفقار المعتَمدة وضدّ الارتهان للخارج... فعلى مدى سنوات بتنا رهائن للدين العام، وليس لدينا حكّام يعملون لخدمة الشعب، وحكوماتنا كانت تعمل على الصدمات، بدليل أنه ليس لدينا خطط أمن غذائي ولا أمن نفطي...».
بالنسبة إلى آخرين، يمثّل هذا الإضراب فرصة للتنكيل بـ«جثة» الاتحاد العمالي العام. فقد شدّد النقيب عبد الأمير نجده، في حديث تلفزيوني، على «ضرورة وجود سياسة عمالية»، لكنّ التحرّك استقطب مرحبّين أيضاً مثل الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين واتحاد نقابات عمال البناء والأخشاب.
م. و.