هل يرتقي مستوى الغناء العربي بفضل الدراما التلفزيونية؟

وكالات
هل يرتقي مستوى الغناء العربي بفضل الدراما التلفزيونية؟

يوسف سليمان -
منذ أن دخلت برامج تلفزيون الواقع فضاء إعلامنا العربي والفوضى سيدة الموقف، كأن هذه السياسة الإعلاميّة صدِّرت إلينا خصيصاً لتفتح باباً واسعاً أمام الدخلاء على الفن تمثيلاً وغناء وعزفاً ورقصاً وحتى تقديماً للبرامج ومسابقات الجمال. ولعل أكثر ما يؤذينا بين هذه الفئات فئة الغناء الذي أصبح عمل من لا عمل له. وربما قدمت برامج تلفزيون الواقع الغنائيّة إلينا بعض المواهب والأصوات الجيدة، إلا أنها أتاحت الفرصة للكثير من المتطفلين. فهذه تغني بجسدها وتلك تروّج لمفاتنها، وبات المستمع العربي يعاني مشكلة كبيرة تتفاقم يوميا وتتناسب طرداً مع كل أغنية تطرح في الأسواق. هنا لا بد من البحث عن حل لهذه المشكلة ولو كان جزئياً وبسيطاً.
الأغاني الدرامية
عندما غنى المطرب الإماراتي حسين الجاسمي شارة (جينيريك) الفيلم المصري «الرهينة» بطولة أحمد عز وياسمين عبد العزيز، لم يكن يدري أن أغنيته « وبحبك وحشتيني» ستكون بمثابة فجر جديد يشرق على واقع الأغنية العربية المظلم، وتذكرنا جميعاً حين سمعناها أغنية مسلسل «ليالي الحلميّة» الرائعة. «بحبك وحشتيني» حلّقت عالياً في سماء الأغنيّة العربية وبدا تميّزها واضحاً وكان لها الفضل الأكبر في التسويق للفيلم ونجاحه، ما جعل أهل الدراما في سورية يدركون أهميّة هذا الجانب المهمل في أعمالهم، فسارع أذكياؤهم إلى الاهتمام بشارات (جينيريكات أو مقدمات) أعمالهم الدراميّة وكان التعامل الأول بين قمة الإبداع الدراميّة السوريّة ونضيرها في عالم الغناء اللبناني وولدت شارة مسلسل «أهل الراية» التي أبدع ملحم زين في غنائها، كما أثبت الملحن اللبناني هيثم زياد من خلالها أنه الأول على ساحة التلحين مبتكراً النغم الذي يهواه الناس ويشتاقون إليه. وبعد «أهل الراية» كرت سبحة الشارات الدرامية وأصبحت الأعمال الدرامية ساحة التنافس الجديدة لأهم نجومه وملحنيه وشعراء الأغنية العربية، ولا نبالغ إذا قلنا أن بعضهم أصبح يعتمد بشكل كبير على شارة المسلسل التي يؤديها لتجلب له الحفلات والأعراس، من فرط تعلق الناس بتلك الأعمال الدرامية. في جانب آخر، غناء شارات المسلسلات عملية مربحة وتصب في مصلحة المطرب دون سواه ، فالفنان عاصي الحلاني دخل قلوب الدمشقيين بأغنية « الشام العديه» التي أصابت من أهل الشام مقتلاً، وبدأ التزاحم على حضور حفلاته في سورية على نحو لم يسبق له مثيل، والأمر نفسه حصل مع ملحم زين حين غنى أغنية «أهل الراية». هذا غير أنه يتقاضى أجراً لغنائه قد يبدأ من عشرة آلاف دولار وقد يصل إلى المليون دولار. وذكر أن الوسوف تقاضى أجراً عن أغنية «دوارة الايام» لمسلسل «ما ملكت ايمانكم» للمخرج السوري الكبير نجدت اسماعيل انزور الذي لم يتوقع أن يفاجئه الملحن اللبناني هيثم زياد بموافقة الوسوف على أداء الأغنية، لعلمه أن الأمر لو تم فعلاً سيكون وحده وبمعزل عن العمل الدرامي انتصاراً آخر يحققه أنزور، ناهيك عن أن الأغنية تصور بطريقة الفوتو مونتاج ويبدأ عرضها على شكل كليب على الشاشات التي اشترت العمل وبدأت للتسويق له ، وتبقى الأغنية تعرض على هذه الشاشة أو تلك لشهورعديدة أو حتى لسنوات ، ومثل هذا العرض كان ليكلّف المطرب ألوف الدولارات وما كان ليحظى بهذا الدعم الإعلامي. وعندما سُربت أغنية الوسوف إلى الأسواق والمواقع الالكترونية لاقت إستحساناً واستهجاناً لدى الناس وبدأت العروض تنهال على الملحن هيثم زياد لصنع شارات المسلسلات التي لم تسجل بعد وهو صاحب «أهل الراية» في البداية. ثم كانت شارة مسلسل الدبور «بلحظة غدر» الذي غناها الفنان أيمن زبيب ليثبت هيثم زياد أنه يجيد العزف على هذا الوتر مؤكداً نظريته التي تفيد بأن الأغنية التي لا تحمل موضوعاً فاشلة، ومن هنا كان التعاون بينه وبين كاتب هذه العجالة وكاتب شارة «وما ملكت ايمانكم» وشارة «الدبور» وعدة أعمال أخرى خارج نطاق الدراما لكنها حملت الموضوع والمضمون الدرامي، ما جعل المستمع يشعر بفرق كبير في نوعية الأغنية اليوم وهذا يرغم الفنان أن يختار أغنية ذات طابع درامي ومضمون إجتماعي يلامس همومهم وأوجاعم. ومن يراقب الأغاني التي أطلقت في السنة الآخيرة يلاحظ أن الناجحة منها هي تلك التي حملت موضوعاً ومضموناً حاربت وتخلت عن الإستسهال وكادت تلغيه تماماً لولا تمسك بعض الدخلاء به إذ يشكل لهم غطاء ويضمن لهم إستمراراً على الساحة الفنية رغم إغلاق الناس آذانهم وانصرافهم عن سماعهم، فمتى نشهد إنتفاضة جديدة في عالم الأغنية العربية يقضي على الدخلاء ومن يستسهلون بالكلمة واللحن والأداء، بعد أن أضعفتهم شارات المسلسلات وكشفت زيفهم، وهل سيقتنع أصحاب الأصوات الجميلة بهذا الأمر ويتخلون عن أكذوبة « الجمهور عايز كده» ؟